حادثة طبيبة طنجة وجنينها تعود إلى الواجهة …
المساء 24 : متابعة
عربات نقل العمال “ٱلة حرب لا تتوقف عن القتل عندما تنزل الى الشارع”
سومية نوري:طنجة
مرة أخرى يطفو إلى سطح الجدل والنقاش العمومي؛ ببعض المدن المغربية؛ ملف شركات نقل العمال والمستخدمين؛ وحوادث السير المروعة والمميتة التي ترتكبها سنويا العربات المملوكة لهذه الشركات؛ وفي اغلب الأحيان؛ في ظروف تتسم بخرق مبالغ فيه لقانون السير وحقوق باقي مستعملي الطريق؛ والنتيجة عشرات الضحايا من الوفيات والعاهات الجسدية التي تعني مقابل ذلك كلفة اجتماعية وانسانية يدفعها المجتمع باستمرار.
الملف عاد بقوة إلى واجهة اهتمام الراي العام؛ مباشرة بعد صدور الحكم الإبتدائي؛ يوم 16 فبرايرالجاري؛ في القضية الرائجة أمام ابتدائية طنجة بشأن حادثة السير التي سبق أن ارتكبها سائق إحدى شركات نقل العمال والمستخدمين بنفس المدينة؛ وذلك عندما كان يقود سيارة بسرعة فائقة؛ نتج عنها صدم طبيبة كانت تسير فوق ممر الراجلين؛ وقام بعدها بمغادرة موقع الحادث بسيارته حينما علم أن الضحية لفظت أنفاسها الأخيرة.
وكان الرأي العام بطنجة قد اهتز يوم 19 أكتوبر 2022 على وقع حادثة سير مميتة؛ ذهبت ضحيتها طبيبة في الثلاثينات من عمرها وحامل في الشهر الثامن؛ حيث أحدثت الواقعة سخطا عارما؛ خاصة بعدما أوردت العديد من التقارير الإعلامية أن السائق غادر بسيارته مكان الحادث مباشرة بعد ارتكابه لافعال كيفها القضاء؛ فيما بعد؛ بأنها جنحة القتل بغير عمد بسبب عدم احترام السرعة المفروضة وصدم الضحية على ممر الراجلين.
ويشار إلى أن العشرات من قصاضات الأخبار؛ أوردت حينها؛ أن سائقا لاذ بالفرار بعدما صدم طبيبة، قرب المجمع السكني “رياض السلام” بطنجة؛ والتي كانت تعبر شارع الجيش الملكي او ما يعرف محليا ب “طريق الرباط” وذلك قبل أن تتمكن المصلحة الولائية للشرطة القضائية؛ من خلال البحث والتحقيق؛ من تتبع السيارة وتحديد مكانها وحجزها؛ وبعدها من توقيف السائق المعني بالأمر بحي البرانص القديمة.
متتبعون لهذا الملف اعتبروا وقتها أن هذا السائق بمغادرته لمكان الحادثة يعتبر محاولة التملص من المسؤولية الجنائية والمدنية؛ وتستوجب على الأقل اعتبار هذا الفرار ظرف تشديد ضد المتهم؛ خاصة وأن الشركة صاحبة العربة -التي يشتغل لفاىدتها السائق المعني بالأمر- لم تقم بتجديد قرص تحديد السرعة؛ مما يمكن اعتباره نوعا من التقصير في المسؤولية؛ وتفتح المجال؛ بهذا التقصير؛ أمام عمالها لارتكاب المزيد من خروقات قانون السير.
وفي سياق متصل اعتبر حقوقيون ومهتمون بالمجال؛ أن خطورة حوادث السير المرتكبة اليوم بالمغرب؛ والتزايد المستمر لعددها نانج – في جانب كبير-؛ عن غياب النجاعة والفعالية الزجرية الواردة في نصوص قانون السير الحالي؛ وأيضا ناتجة عن تساهل جزء مهم من القضاء مع مرتكبي حوادث السير بمبررات “ظروف التخفيف” او ما شابه ذلك؛ وهو الواقع الذي يستدعي -حسب هؤلاء الحقوقيون- ضرورة المراجعة الشاملة لهذا القانون؛ ولما لا؛ فتح حوار وطني حول الموضوع.
ودائما في ارتباط بنفس الموضوع استقبل المعنيون بملف الطبيبة الراحلة- من ذوي الحقوق؛ وزملاء الراحلة من قطاع الطب والصيدلة؛ وبعض فعاليات المجتمع المدني بطنجة ونشطاء مواقع التواصل الإجتماعي…- باندهاش واستياء عميق الحكم الصادر أخيرا عن ابتدائية طنجة؛ والقاضي في الدعوى العمومية بمؤاخذة المتهم من أجل ما نسب إليه من التهم؛ والحكم عليه بستة أشهر حبسا نافذة؛ معتبرين ذلك لا يتناسب وحجم الضرر الحاصل؛ حتى وإن تضمن نفس الحكم حرمان السائق من رخصة السياقة لمدة سنتين؛ واخضاعه لدورة تدريبية على السلامة الطرقية.
وتفاعلا مع الموضوع؛ ومباشرة بعد نطق المحكمة الابتدائية بالحكم؛ أصدرت جمعية الأطباء المقيمين بطنجة بتاريخ 23 فبراير 2023؛ بيانا اعتبرت فيه أن ملف الطبيبة “ح.ب” هو ملف جميع الأطباء المقيمين بالمشتشفى الجامعي محمد السادس بطنجة؛ معلنة في نفس البيان عن عزمها على تتبع مختلف تطورات هذا الملف المعروض أمام القضاء.
البيان ذكر أن الطبيبة التي راحت؛ هي وجنينها؛ ضحية حادثة سير مروعة “بطلها” ساىق لا مبال كان يقود بسرعة متهورة؛ وبالمجال الحضري؛ حافلة لنقل العمال والمستحدمين؛ وهي الحادثة التي كانت كفيلة بقذف الضحية بعيدا عن ممر الراجلين لمسافة تزيد عن 60 مترا؛ وتلفظ أنفاسها؛ للأسف؛ حالا وبعين المكان.
الاطباء المقيمون بالمستشفى الجامعي بطنجة نظموا؛ أيضا؛ أمام كلية الطب والصيدلة بنفس المدينة؛ وقفة تضامن ومساندة لملف زميلنهم الراحلة؛ وذلك في أفق الإقدام على خطوات نضالية وتضامنية أخرى؛ سيتم تحديد طبيعتها وشكلها بناء على التطورات التي سيعرفها الملف أثناء عرضه؛ من طرف هيأة الدفاع؛ على محكمة الإستئناف في الأيام القليلة المقبلة.
وعلمت الجريدة أن أطباء باقي المصالح الطبية بنفس المدينة؛ وتمثيلياتهم النقابية يتدارسون إمكانية تنظيم أشكال تضامنية مع ملف هذه الطبيبة التي راحت ضحية أفعال ارتكبها شخص في حالة تهور ولا مسؤولية؛ وبسبب استخفاف بعض شركات نقل العمال والمستخدمين بمعايير اختيار السائقين المشتغلين لديها؛ وأيضا في ظل غياب ظروف عمل مواتية لهؤلاء السائقين في الكثير من هذه الشركات التي أصبح بعضها عنوانا بارزا ل”جرائم الطريق”
ويرى بعض المتتبعين أن ما جعل ملف الطبيبة الراحلة “ح.ب” يأخذ كل هذا المنحى؛ ويتجاوب مع حيثياته وتفاصيله الراي العام بقوة وتفاعل كبيرين؛ هو حجم الخروقات التي أضحى يعرفه قطاع نقل العمال والمستخدمين بطنجة؛ وبعموم التراب الوطني؛ وأيضا بسبب حوادث السير التي ترتكبها هذه الشركات؛ حتى أصبح الموضوع يشكل كابوسا حقيقيا لمستعملي الطريق؛ ولدرجة يعتبر البعض أن العربات المملوكة لهذه الشركات بمثابة “ٱلة حرب لا تتوقف عن القتل عندما تنزل الى الشارع” .