بقلم الأستاذة حسناء شهابي.. بين كتاب الله وعباد الله
نعم جريمة وفقا لجميع الشرائع والعهود والمواثيق الموضوعية والمنصفة لمن يتطاول على الدين والاستهزاء بالقيم الدينية. وليس هناك من منطق سليم يبيح لأي شخص الاساءة للمعتقدات والديانات تحت شعار الحرية والديمقراطية.
اختيار هذا التوقيت بالذات لإضرام النار في نسخو من القرآن تزامنا مع موسم الحج وعيد الأضحى هو تشجيع للإرهاب باسم الحرية المزعومة وتعزيز صفوف التطرف والادعاء بمحاربة الكراهية والصراع بين الأديان كما قال الله تعالى «يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ”.
افتعال هذه الأزمات الطاحنة والمعارك الفارغة تستنزف طاقاتنا وتستهلك عقولنا في حوارات مكررة لا فائدة منها. ومن يدافع عن هذه التصرفات الرعناء وراء حرية التعبير أقول إن حرية التعبير لا تكون بالاعتداء على مقدسات وكرامات الآخرين واحتقارها. ونحن نسأل: كيف ستتصرف الشعوب والحكومات في الدول المسيحية، خاصة في دول الغرب الديموقراطية لو أن مسلمين أحرقوا نسخا من الإنجيل المقدس في شوارع مدن العالم الإسلامي وأعلنوا حقدهم وكرههم العلني للمسيحيين ودينه؟
إبان هذا الحادث سيظل المسؤول الأوّل هو المسؤول عن حماية حريّة العبادة، الدولة السويديّة، وعلى هذه الدولة أن تتحمّل كامل المسؤولية، وأن تبادر إلى تغيير فهمها لمفهوم حريّة التعبير بتوازنه مع حريّة العبادة واحترام الشعائر والرموز الدينيّة، وبالتالي تغيير قوانينها، حتّى لا تعشّش في ثناياها مفاعيل عنصريّة.
القرآن الكريم يتجاوز كونه كتابًا مقدّسًا للمسلمين فقط، ليمسي إرثًا إنسانيًا عالميًا يخصّ كل بني البشر، بغض النظر عن حالتهم الايمانيّة، والمساس به مساس بالجميع وعلى رأسها الدول الإسلامية. لكن وللأسف لابد من قول الحقيقة المرة وهي، أننا نفتقر لمؤسسات مجتمع مدني وأحزاب سياسية فاعلة التي ظلت كما هي في قراراتها السياسية تتأثر بإملاءات. ولهذا لا غرابة في أن ردود فعلها كانت خافتة، خجولة، واقتصرت على التصريحات الإنشائية الجوفاء الجاهزة ” نرفض ونستكر وندين” التي اعتادت على سماعها وتجاهلها دول الغرب التي تعزف على وتر الإسلاموفوبيا. حتى ردود الفعل الرسمية والشعبية العربية والإسلامية لم تكن على مستوى الحدث، وكانت كالعادة ” جعجعة بدون طحن ” لم ولن تخيف وتردع أحدا”.
أما بالنسبة للذين يحملون راية التشكيك في الإسلام اليوم لا يساوون شيئا بجانب من سبقهم من عتاة الطاعنين والمحاربين، فهم لا يطرحون أفكارا جديدة، وإنما يرددون بعض الأقوال العديمة القديمة، والمعادية للدين الإسلامي باعتبارها اعتداء على حريّة المعتقد والعبادة لن تغير شيئا في عقيدة المسلمات والمسلمين ويضخم الإعلام “الموجه” هذه الافتراءات للإيحاء بأنها تمثل تيارا واسعا.
لابد من الإشارة إلى شيء مهم لسنا أفضل من جد سيدنا النبي ص عبد المطلب الذى قال للبيت رب يحميه ،وكذا للمصحف رب يحميه فالله سيدافع عنا وعن كتابه إذا كنا نثق فى قدرة إلهنا قوله فى آل عمران 159( فَبِمَا رَحمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعفُ عَنهُمْ وَاستَغفِر لَهُمْ ) وكذا قوله تعالى ( فَاعفُوا وَاصفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمرِهِ ۗ ) وقوله (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدواً بِغَيرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ) .
بادئ ذي بدء الإسلام دين وليس نظام سياسي أو وجهة نظر أو تيارا فكريا، وهو عقيدة، ودين الدولة، وعقيدة الحاكم والمحكوم فالدين روحاني ثابت في القلوب، والإسلام انتصر على كل خصومه، وقوة الإسلام في تسامحه وعدله وإنصافه ثم في نشر السلم والسلام، وهو الدين الوحيد الذي ينتشر بمعدلات متسارعة في كل العالم. ولذلك فمن يفكر في فصل الشعب عن دينه هو الذي يشعل فتلة التفرقة والفتنة، وهو الذي يزرع البلبلة وأزمات الكراهية في الصفوف ويقسم المجتمع المتماسك، لأن الإسلام هو الذي حافظ على وحدة الأمة والدول وما فيها من أقليات عبر القرون، فالإسلام دين وحضارة، دين للمسلمين وحضارة لغير المسلمين..
بقلم الأستاذة حسناء شهابي