الاستاذ يونس غازي يكتب شذرات من قصص الأنبياء
لا شك أن قصص الأنبياء إنما جاءت للاتعاظ والاعتبار ، خاصة في شق الابتلاء والمعاناة ، فالله عز وجل بحكمته العظيمة يبين لنا أن أحب الخلق عنده وصفوته من الناس هم الأنبياء اللذين اختصهم دون البشر جميعا بإبلاغ رسالاته ، وقد عانوا في هذه الدنيا أشد المعاناة ، فما بالك بالعباد الآخرين . وحين أعود لهذه القصص أجد وكأنها رسالة مباشرة لكل واحد منا ، لأن أي فرد منا لا شك سيجد تجسيدا وتماهيا لمعاناته مع إحدى هاته القصص . فإذا كنت تعاني من الغواية فقد عانى منها أول الخلق آدم عليه السلام ، إذا كنت تعاني من سخرية الناس لأنك مختلف عنهم وتفكر بطريقة مغايرة ولك اليقين في نجاح ما تفعله ، فقد عانى منها نوح عليه السلام وهو يبني سفينته في الصحراء ، إذا كنت تعاني المرض الشديد ، فحتما لن يكون مرضك ولو واحدا في الألف مثل مرض نبي الله ايوب عليه السلام ، إذا كنت تعاني من أنك صالح وابنك فاسق ، فخذ نبي الله نوحا نموذجا ومثالا ، وإذا كنت ابنا صالحا وأبوك فاسد فخذ نبي الله إبراهيم نموذجا ، أما إذا كنت زوجا صالحا ، وكانت زوجتك غير ما تحب ، فخذ نبيا الله لوطا ونوحا نموذجا ، إذا كنت امرأة صالحة وزوجك طاغية فاسق ، فخذي آسية زوجة فرعون نموذجا ، وإذا كنت صالحة وحرمك الله من الذرية لحكمة في نفسه عز وجل فخذي اسية دائما نموذجا ، وخذي عائشة عليها السلام مثالا ، فمن كان في صلاحها وزهدها ، ولكنه لم يكن لها أبناء ، وإذا كنت طاهرة وعانيت من القذف في عرضك وشرفك فتذكري مريم وعائشة عليهما السلام ، إذا تأخرت الذرية عنكما فتذكرا يحيى عليه السلام وأمنا سارة ، وإذا عانيت الوحدة والخوف من الهلاك فتذكر يونس عليه السلام في بطن الحوت ، وتذكر هاجر واسماعيل في صحراء قافلة ، لا من ينجدهم ولا ينقذهم سوى يقينهم في المولى عز وجل . وإذا كنت تعتقد أن هذا كل شيئ فمازال لدينا الكثير ، إذا كنت صاحب إعاقة وحزين لذلك فتذكر أن من عجائب هذه الحياة وأسرار قدرته عز وجل ،أن من عانى إعاقة في النطق ، موسى عليه السلام ، عوضه الله بأن يكون كليما له عز وجل تعالى ، ولا شك سيعوضك تعالى على صبرك وجلدك وتحملك . إذا كنت تعاني من اضطهاد قد يصل للقتل من أجل مبادئك وقناعاتك وحبك لدينك فتذكر أن نبي الله يحيى شقوه شقين ، وإذا كانت مصيبتك في هذه الدنيا من المقربين ، فتذكر أن يوسف عليه السلام جاءته الأذية من إخوته ، وأن سيدنا عيسى خانه الأصدقاء المقربون ، وإذا كان اليتم يوجعك فتذكر أن خير الخلق عليه الصلاة والسلام ، كان يتيم الأبوين ، وإذا كان قلاك وهجرك أهلك فقد سبقك لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما إذا كنت تعاني الجوع والعطش والفقر والحرمان فهذا ديدن معظم الأنبياء والرسل ، وإذا كانت فتنتك في هذه الدنيا في الجنس الآخر فتذكر قصة يوسف وزليخة عليهما السلام ، وكن على ثقة أنه لا يصح إلا ما أحل الله . أما إذا كان الابتلاء في السلطة والقيادة فتذكر طالوت وداوود ، وتذكر بلقيس وسليمان عليهم السلام جميعا ، وإذا كانت فتنتك في القضاء فتذكر ركعة أيوب عليه السلام بعد الإنابة . لا شك أن كل حالة اجتماعية وموقف معاناة وشدة وكرب ، إلا وستجد لها مثالا في قصصهم عليهم الصلاة والسلام ، لذلك إنما قص الله علينا الله قصصهم ، لنجعلها لنا نبراسا ونورا في طريق الظلمة الذي نسلكه ، فلا تبتئس بأي شيئ مهما كان جللا ، ولا تحزن لأي أمر مهما كان عظيما ، ومهما همك أمر ،تذكر أن هاته الدنيا دار ابتلاء ومعاناة وألم وكدر ، وأنها لو كانت باقية لما عانى فيها خيرة الخلق من أنبياء الله وأصفيائه ، وتذكر دائما الحكمة العجيبة الرائعة التي تقول : لا تقل يا رب لي هم كثير ، ولكن قل يا هم لي رب كبير . واعلم أخي أخيتي أن القولة الأخرى تلخص أجمل ما في هذه الحياة وأروعه : أسعد الناس من أسعد الناس .
الاستاذ يونس غازي