بعد عودة ترامب… هل تواصل المؤسسة العسكرية الجزائرية دعمها لتبون
بعد عودة ترامب… هل تواصل المؤسسة العسكرية الجزائرية دعمها لتبو
أنوار قورية – دكتور في الاعلام والسياسات الدولية
تعيش الجمهورية الجزائرية وضعا استثنائيا، يشير إلى تباين في المواقف داخل المؤسسة العسكرية (أو ما يصطلح عليه بنظام الكابرانات) تجاه الرئيس عبد المجيد تبون الذي مكّنته ظروف غامضة من ولاية ثانية كرئيس للجزائر، قد لا نجزم بأن هناك ندما علنيا من قبل العسكر الجزائري بسبب دعمهم لتبون، ولكن قد يكون هناك خلافات حول أولويات المرحلة القادمة خاصة في سياق التحولات الدولية المحتملة مع انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية وهي عودة مستحقة لحاكم عهدنا فيه من الحكمة والقوة التي فرضت سلما عالميا، ما يجعلنا نؤيد برنامجه السياسي، وبالعودة لنقاش موقع تبون ضمن هذه التحولات التي تؤشر على تغيير واضح في موازين القوى الدولية والإقليمية بطريقة تتطلب من الجارة الجزائر تبني استراتيجيات داخلية وخارجية أكثر مرونة بدل من الخرجات السفسطائية غير المدروسة من جانب تبون والتي باتت تشكل عبئا على المؤسسات والمواطنين في هذه المرحلة، فعودة ترامب المعروف بمواقفه الحادة ورؤيته الخاصة تجاه قضايا الأمن والطاقة في منطقة شمال إفريقيا قد تزيد الضغط على الجارة الجزائر لإعادة صياغة سياساتها بطريقة تحفظ استقلالية قراراتها وتوازن علاقاتها، خاصة في ظل النفوذ الأمريكي المتنامي والاهتمام بمنطقة الساحل والصحراء المغربية، في ضوء ذلك قد ترى المؤسسة العسكرية أن تصريحات وخرجات تبون الإعلامية المتكررة والتي تساءل كفاءته أو رؤيته الاستراتيجية ثم أسلوب إدارته للملفات الاقتصادية والسياسية الداخلية والخارجية، قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على سمعة الجزائر.
صحيح أن عبد المجيد تبون قام ببعض الإصلاحات والتغييرات، لكنها تبقى دون طموح المؤسسة العسكرية بل ولا تتوافق مع توقعات المواطنين، ومع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر، يرى بعض الجنرالات والخبراء الاكاديميون أن سياسات الرئيس المنتخب لولاية ثانية، لم تحقق تحسنا ملحوظا ما قد يدفع جنود خفاءه للتراجع فعليا عن دعمه، خطوة قد تشكل ورقة ضغط لتوجيه سياساته نحو الاهتمام بالشأن الداخلي والارتقاء بجودة الحياة العامة للمواطن الجزائري في أفق تحقيق تقدم في الاقتصاد، ومعالجة التحديات التي تواجه المؤسسات، مثل الخدمات العمومية والبنية التحتية، البطالة وارتفاع الأسعار التموينية…
الجزائر بعد الولاية الثانية لتبون … إلى أين؟
بعد مرور عدة سنوات على تولي الرئيس عبد المجيد تبون رئاسة الجمهورية الجزائرية، تطرح التطورات الأخيرة في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي تساؤلات حول مستقبل البلاد في ظل إدارته كما تثار تساؤلات حول الدعم المتباين للمؤسسة العسكرية لسياسات تبون خصوصا أن موقف فئة عريضة من الشعب تستنكر المناهج والبراديغمات التي تصاغ بها السياسات العمومية الحالية والتي تحول دون تحقيق الإصلاحات المنشودة ما يترتب على ذلك المزيد من الركود والبلوكاج في مسار التنمية التي وعد بها تبون المواطنين خلال تجمعاته الخطابية.
خلافات داخلية في السلطة… هل يكمل تبون ولايته الثانية
من المعروف أن المؤسسة العسكرية تلعب دورا حاسما في الجزائر منذ عقود بحيث تتمتع بتأثير كبير على القيادة السياسية للبلاد، بالرغم من أن الكابرانات (القيادة العسكرية) دعمت تبون خلال الانتخابات السابقة والتي سبقت سابقاتها فإن المؤشرات الحالية تشير إلى احتمال وجود تباينات في المواقف حول دعم استمراره على المدى القريب والمتوسط، مردُّ هذا التباين يعود إلى ضعف رؤيته في التعامل مع الأزمات الاجتماعية في البلاد علاوة على بعض التوجهات الخارجية التي تبناها والتي قد لا تنسجم مع المتغيرات التي يعرفها السياق الدولي، من جهة، يظهر أن الرئيس تبون عجز على تحقيق تحسينات حقيقية في اقتصاد البلاد ومعالجة المشاكل الاجتماعية المتفاقمة وهو ما ترى من خلاله النخب المعارضة أن الرئيس لم يحقق بعد الأهداف المنتظرة في مواجهة شبح البطالة، غلاء الاسعار وإقرار العدالة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي، من جهة أخرى، بعض الأطراف المحسوبة على المؤسسة العسكرية تفضل الاحتفاظ بنظام تبون تحت ذريعة الاستقرار نظرا للظروف الإقليمية والدولية المعقدة.
تبون والغيابات المتكررة… من سيوقع ورقة الدخول
يلاحظ العديد من المتتبعين للشأن المغاربي والقاري أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لم يترأس مؤخرا مجلس الوزراء في الوقت الذي تساءل الكثيرون عن اسباب وحيثيات هذا الغياب الغير مبرر، وما زاد الطين بلة هو غيابه عن تمثيل الدولة الجزائرية في القمة العربية الأخيرة في السعودية مكتفيا بتفويض قيادة الوفد لوزير الخارجية. وقد أثار ذلك عدة تساؤلات حول الأسباب التي دفعت الرئيس إلى تقليل ظهوره العلني في الأحداث البارزة، بالإضافة إلى ذلك، قد تكون بعض الغيابات لأسباب دبلوماسية أو سياسية، حيث تتطلب بعض القمم والفعاليات تمثيلا دبلوماسيا وليس رئاسيا، كإشارة إلى مواقف دبلوماسية (عدم السماح بحضور وفد جبهة الوهم) أو كوسيلة لتجنب حساسيات معينة مع الدول المضيفة (تأييدها لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية بالصحراء المغربية…) ومع ذلك، تظل هذه
مجرد تكهنات لا يمكن تأكيدها رسمياً، إلا أنها تبقى مطروحة بالنظر إلى تكرار تفويض المهام لشخصيات حكومية…
بغض النظر عن الضغوط والتحديات المذكورة سلفا، يبقى على الرئيس تبون التمسك بإرادة الإصلاح، إن كان يرغب في استكمال ولايته الثانية، فالجزائر اليوم في مفترق طرق، عليها أن تسعى جاهدة لتحقيق إصلاحات اقتصادية وتواجه التحديات الاجتماعية المطروحة بدل دعم الانفصال والوهم. الرهان اليوم على الفئة العاقلة داخل المؤسسة العسكرية في تحديد المستقبل السياسي للبلاد، مع تحقيق توافق بين النخب السياسية والعسكرية لضمان استقرار البلاد في المرحلة المقبلة.