الشاب المغربي عبد العزيز قاضي والشاب الكويتي محمد الجاسم إموازي وجهان لعملة واحدة
من خلال بحث بسيط في عملية الطعن نفذها الشاب المغربي الذي يحمل بطاقة إقامة أمريكية في قلب تل أبيب يوم أمس الثلاثاء، يمكن القول أن التاريخ يعيد نفسه على الأقل في مثل هذه الأحداث الدامية التي يكون فيها شباب في مقتبل العمر ضحية لأفكار متطرفة أو مجرد طعم تصطاد به الجماعات والتنظيمات والحركات الإرهابية والمتطرفة في المياه العكرة.
اذا كان الضحية منفذ عملية تل أبيب عبد العزيز قاضي، ينحدر من زاكورة آلتي غادرها في رعيان شبابه عن عمر يناهز 24 عاما في اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية بفضل برنامج القرعة فإن الشاب الكويتي محمد الجاسم إموازي الذي اشتهر منذ سنوات بظهوره في مقاطع فيديو وهو ملثم يرتدي ملابس سوداء وهو يقوم بنحر رهائن امريكيين وغربيين ليصفه الأمريكون “بالحيوان البشري” !!!
صحيح أنه في ظل عدم توفر أي معلومات enquête d’environnement حتى الآن عن الشاب المغربي ابن مدينة زاكورة الهادئة، ومن جنده وكيف تم تجنيده إلى أن لقي حتفه بشوارع إسرائيل على يد شرطية عبرية كانت في إجازة وهو يعتقد أنه يقدم خدمة للإسلام والمسلمين وللقضية الفلسطينية، لكن الذي جرى مع الطالب الشاب الكويتي يتشابه كثيرا مع الشاب المغربي، حد تشابه البقر على بنو إسرائيل.
فمن هو الشاب الكويتي محمد الجاسم إموازي وكيف تعرفت اجهزة الاستخبارات البريطانية عليه وكيف سافر الى لندن وكيف تحول من طالب نجيب الى قاطع طريق وقاطع رؤوس؟ وهو الذي سافر بدوره في سن السادسة من عمره إلى بريطانيا عام 1994 بحثا عن العلم والمعرفة بجامعة سانت جونز وود، شمال لندن،ليتخرج منها لاحقاً مختصاً بعلوم الكمبيوتر العام 2009.
أثار إموازي انتباه الأجهزة الأمنية في 2009 ، عندما بدأ جهاز الاستخبارات البريطاني (M15) ووكالات استخبارية بريطانية أخرى مراقبة المتطرفين الذين يشتبه أن لهم علاقة بمسلحين أجانب انخرطوا في صفوف حركة الشباب في الصومال،ليظهر اسمه في وثائق محاكمات شخصين عائدين آنذاك إلى بريطانيا بعد تورط مفترض في أنشطة متطرفة بالصومال التي كانت تتعافى من حرب أهلية.
في العام 2009، اعتقل محمد الجاسم إموازي بتانزانيا مباشرة بعد تخرجه من الجامعة البريطانية وهو الذي تنقل باسم “محمد بن معظم” في الكثير من الدول ، وسافر مع بريطاني آخر يعرف باسم “أبو طالب” ورجل ثالث ألماني تحول إلى الإسلام يدعى “عمر”حسب وسائل إعلامية بريطانية حينها.
استطاع إموازي تضليل الأجهزة الأمنية في بريطانيا، مستغلاً الثغرات الأمنية والقانونية، لتجنب الاعتقال في أكثر من مرة خلال جلسات التحقيق،بفضل منظمات حقوقية بريطانية كآنت تدافع عن أشخاص تقول إنهم ضحايا انتهاكات أجهزة الأمنية، لإن إموازي اتصل بهم مدعياً أنه عانى من مضايقات من جهاز الأمن “M15” أثناء محاولته العودة إلى الكويت البلد الذي ولد فيه العام 1988.
تقارير إعلامية بريطانية تفيد أنه بعد أن اشتد عليه الخناق بلندن، عاد محمد الجاسم إموازي إلى موطنه الكويت للعيش هناك ،أين بدأ يخطط للزواج والاستقرار، غير أن كل شيء سينقلب رأسا على عقب عام 2013، عندما نجح في الدخول إلى سوريا التي استطاع الوصول إليها بعد اجتيازه العراق مشياً على الأقدام في رحلة استغرقت أزيد من الشهرين متتابعين للافلات من الرقابة الأمنية آلتي كآنت تفرضها عليه المخابرات البريطانية بتنسيق مع نظيرتها في الكويت.
صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية نشرت حينها قصة محمد الجاسم إموازي واصفة اياها بأخطر مطاردة ربما في عالم الإرهاب، حيث ذكرت الصحيفة أنه “مع وجود قليل من الأدلة لتحديد هوية الجهادي جون(محمد الجاسم إموازي)، ركز محللو الاستخبارات البريطانية على لهجته،وحركة يده اليسرى التي كان يحمل فيها سكينا،كما عمد رجال الاستخبارات البريطانية إلى تحليل وقفته ووضعية جسمه وملامح يده اليسرى، التي أظهرت تطابقا مع صور أرشيفية كانت تحتفظ بها الأجهزة الأمنية في سكوتلانديار لمحمد الجاسم إموازي قبل سنوات من ذهابه إلى سوريا ،وقال روبرت هانيغان، المدير السابق لجهاز الاستخبارات البريطاني: “لقد كنا في سباق لمعرفة هويته من خلال التدقيق في حجمه ويديه. لكن قبل كل شيء، كان ما يهمنا صوته، الذي جعل التعرف عليه سهلا جدا”.
هكذا جاءت تصريحات المسؤول الأمني البريطاني “هانيغان” ضمن فيلم وثائقي تم بثه التلفزيون البريطاني آنذاك ويتحدث فيه أيضا مجموعة من المسؤولين السابقين في مكافحة الإرهاب في الجيش البريطاني والأميركي.
لكن، الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تراقب باهتمام شديد لعبة الكر والفر بين المخابرات البريطانية ومحمد الجاسم إموازي لم تكن تعتبر إموازي “هدفا عسكريا كبيرا”، إلى حين قتله (الصحفي ) فولي وتصوير ذلك ونشره على الإنترنت.
قبل فرار إموازي من بريطانيا، تم استجوابه عدة مرات من قبل ضباط المخابرات والشرطة، الذين حاولوا تجنيده كمخبر، حسب تصريحات سابقة للعميل ريتشارد والتون المسؤول الأول السابق لقيادة مكافحة الإرهاب في سكتلنديار،لكن في غضون شهر من لقطات قتل الصحافي فولي، نشر”الجهادي جون، محمد الجاسم إموازي”، مقطعي فيديو آخرين، قام فيهما بقطع رأس الصحافي الأميركي ستيفن سوتلوف، وعامل الإغاثة البريطاني دافيد هينز،حيث واجهت الأجهزة الأمنية البريطانية والأمريكية، التي كانت تراقب تحركاته، وتبحث عن الفرصة المواتية لتصفيه، صعوبات كثيرة قي تحديد مكانه ، لأنه يعرف جيدا كيف يتحصن ويحتمي من المراقبة على الإنترنت كما على الأرض.
كيف لا،وهو الخبير المختص الذي دأب على عدم استعمال الإنترنت إلا نادرا، وكان يتحقق من محو كل أثر له على الجهاز الذي يستعمله، كما كان يتخذ كل التدابير الممكنة ليبقى بعيدا عن المراقبة الإلكترونية على وجه التحديد.
لكن أجهزة المخابرات الأمريكية، وجدت ثغرة واحدة في حياة إموازي أدت إلى قنصه، وهي حرصه على التواصل مع زوجته وابنه في العراق،ففي مساء 12 نوفمبر 2015، تلقى مسؤولو البنتاغون معلومات استخبارية عن تحركات إموازي، أرسل الجيش الأميركي بعدها 3 طائرات دون طيار لمتابعة سيارته عن بعد، وبعد 45 دقيقة من القيادة خرج من السيارة لتطلق الطائرات 3 صواريخ أدت إلى وفاته مباشرة شمال سوريا.
مجلة دابق التي كان يصدرها تنظيم داعش الارهابي نشرت حينها مقال عنه بعد مقتله، وقالت إنه ينحدر من شمال شرقي شبه الجزيرة العربية، وأصل والدته من اليمن وسافر إلى لندن عندما كان صغيرا وعاش وكبر هناك وتحدثت عن أن الجهادي جون” بدأ التفكير بالهجرة والجهاد عقب سنوات من تفجيرات لندن 2005 (سلسلة عمليات تفجير متزامنة، ثلاث منها استهدفت قطارات لندن والرابعة حافلة للركاب) والحرب الأميركية على العراق، وإعلان الدولة الإسلامية بالعراق بزعامة أبو مصعب الزرقاوي، وكشفت عن ملاحقته واعتقاله وسجنه والتضييق عليه ومنعه من السفر عدة مرات من قبل جهاز المخابرات البريطانية.
وزادت الصحيفة أنه في المرة الأخيرة الذي رفض فيه جهاز الأمن سفره إلى الكويت (البلد الذي ولد ونشأ فيه) قدم “الجهادي” محمد الجاسم إموازي” نفسه خلال استجوابه من قبل المخابرات البريطانية على أنه “غبي” لأن “الحرب خدعة”.
وأضافت مجلة التنظيم أنه استطاع مع مجموعة من الأشخاص مغادرة بريطانيا عن طريق التهريب والسير في الجبال والوديان وقطع حدود أكثر من بلد بطريقة غير قانونية، واعتقل عدة مرات في رحلة استغرقت نحو شهرين للوصول إلى سوريا.
بعدها بأيام أكد تنظيم داعش الارهابي مقتل محمد الجاسم إموازي،وكشف عن صورته ولقبه “أبو محارب المهاجر” وتاريخ وفاته،12 نوفمبر 2015، علما أن المخابرات الأمريكية سبق وان أكدت انها جد متأكدة من مقتل “الشاب محمد الجاسم إموازي”في غارة نفذتها طائرة أمريكية بدون طيار بالرقة السورية.
تتبع الاستخبارات الغربية ومنها الأمريكية على الخصوص، وسائل حديثة جداً لمطاردت الأشخآص المطلوبين لديها عن طريق بصمة الصوت وهي تقنية تعتمد على تحليل الخصائص الفريدة للصوت البشري، مثل التردد والنبرة والإيقاع،ومقارنته ببيانات مسجلة مسبقًا وهذا ما شاهدنا كذلك مؤخراً في العدوان على غزة العزة على أن يبقى أعز ما في هذه الأمة دوما دائما، شبابها الذي ينبغي تأطيره وحمايته من مافيا المخدرات أولا وتحصينه من الفكر الظلامي المتطرف ثانيا.
عبد العزيز ملوك.