هل يجهل وزير التشغيل القانون الدولي؟!
في تصريح ناري، انتقد السيد علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، محاولات وزير التشغيل تمرير مغالطات قانونية بخصوص الحق في الإضراب، واصفًا إياه بأنه “يجتهد في صناعة الكذب السياسي”. و طالبه بمراجعة القوانين الدولية المتعلقة بممارسة هذا الحق قبل الإدلاء بتصريحات تفتقر إلى الدقة و المصداقية.
في الدول الديمقراطية، يُعتبر الحق في الإضراب مكسبًا دستوريًا يحظى بحماية قوية، كما هو الحال في فرنسا، حيث يكفله دستور 1946 ويتم تنظيمه بموجب قانون العمل الفرنسي. و مع ذلك، لا توجد عقوبات مباشرة تُفرض على ممارسة هذا الحق المشروع، بخلاف ما تحاول الحكومة المغربية الترويج له.
في فرنسا، يُمارس الحق في الإضراب بحرية، ولا يمكن معاقبة العمال المضربين أو فصلهم، ما لم يكن هناك خطأ جسيم، و هو ما يحدده القضاء وحده. لكن وزير التشغيل المغربي يبدو مصممًا على معاكسة هذا التوجه العالمي عبر السعي إلى فرض قيود غير مبررة على ممارسة الإضراب، متجاهلًا أن هذا الحق محمي بموجب الاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها المملكة.
في فرنسا، كما في الدول الديمقراطية، يلعب القضاء دورًا رئيسيًا في تقييم مدى مشروعية الإضراب، وليس الحكومة أو أصحاب العمل. فلا يمكن فرض أي عقوبات تأديبية أو جزائية على العمال المضربين إلا إذا ارتكبوا تجاوزات جسيمة، مثل أعمال العنف أو التخريب. لكن في المغرب، يبدو أن الحكومة تريد أن تحل محل القضاء، عبر فرض عقوبات زجرية مسبقة على ممارسة الإضراب، في خرق صارخ للقوانين الدولية.
لقد رسّخ القضاء الفرنسي حماية الحق في الإضراب من خلال العديد من الأحكام التاريخية، أبرزها:
✅ قرار محكمة النقض سنة 1992: أكدت المحكمة أن القضاة لا يمكنهم الطعن في مشروعية مطالب العمال طالما أنها ذات طابع مهني.
✅ قرارات حديثة عام 2022: أكدت على أن حتى العامل الوحيد في المؤسسة يمكنه ممارسة الإضراب، ما دامت الشروط القانونية متوفرة.
هذه الاجتهادات تدحض بشكل قاطع أي محاولة لتقييد الحق في الإضراب خارج الإطار القانوني و القضائي، و هو ما يجب أن يلتفت إليه وزير التشغيل قبل الترويج لمغالطات سياسية.
إن الإصرار على فرض عقوبات على ممارسة الإضراب يتعارض مع روح الدستور المغربي و الاتفاقيات الدولية التي التزمت بها المملكة. و عوضًا عن افتعال معارك جانبية ضد الطبقة العاملة، على الحكومة أن تبحث عن حلول حقيقية لتحسين ظروف الشغل و ضمان حوار اجتماعي جاد و مسؤول.
إن محاولة الالتفاف على الحقوق النقابية و توظيف المغالطات القانونية لن تزيد إلا في تأجيج الاحتقان الاجتماعي، و هو ما لا يخدم الاستقرار ولا التنمية. فهل سيتراجع وزير التشغيل عن هذه المغالطات؟ أم أنه سيواصل تجاهل القوانين الدولية في محاولة لفرض سياسة الأمر الواقع؟!