تهجير لأهل غزة،أم تهجير للقضية الفلسطينية ولحركة حماس
![تهجير لأهل غزة،أم تهجير للقضية الفلسطينية ولحركة حماس](https://i0.wp.com/almasse24.com/wp-content/uploads/2025/02/IMG-20250213-WA0115.jpg?fit=1080%2C696&ssl=1)
مما لا شك فيه أن العاهل الأردني جلالة الملك عبدالله الثاني تحمل ما لم تتحمله الجبال وواجه ضغوطات لا تصدق وهو يجالس الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للمرة الأولى منذ وصوله الثاني إلى البيت الأبيض، لكن المؤكد أنه رغم هذا وقف صامدًا مكررا بثبات موقف بلاده المضاد لتهجير أهل غزة، المنسجم مع القرارات والاعراف الدولية والإنسانية مكررا عدة مرات،”سأفعل ما يخدم مصلحة بلدي وشعبي”.
لقراءة الحدث من جميع جوانبه لا يمكننا بتاتا القبول بهذا الهجوم على الملك دون تبيان الحقائق وفهم ما جرى خلال هذآ اللقاء الذي لم يتعد العشرين دقيقة وكأن أن ملك الأردن جاء الى البيت الأبيض لحل أكبر نزاع تاريخي في العصر الحاضر وربما المستقبل…
…”بإذن الله،وبتكاتف الجميع،وبكلمة موحدة بقيادة السعودية ومصر والأردن،سنخرج من هذه الأزمة سريعًا…”، يقول العاهل الأردني جلالة الملك عبدالله الثاني وهو الذي يعلم علم اليقين أن السياسة تنسج كخيوط العنكبوت يلف بها السياسي أو القائد خصومه دونما ترك أثر واضح وليس “بالكلبشات” أو الصواريخ أو كلمات كالصواريخ.
لم يكن جلالة الملك عبد الله الثاني ملك الأردن وهو يتحدث إلى “المغمور” ترامب، بحاجة إلى الصراخ أو الوعيد، لأنه ليس من عادته تحطيم مكاتب الرؤساء، بل يعرف جيداً أن السياسة لا تدار بالهتافات ولا بالشعارات، بل بإجادة الرقص بين الألغام وليس بإجادتها على الأنغام.
صحيح بلدان الطوق المتمثلة في كل من الأردن،مصر،سوريا ولبنان ومعهم المملكة العربية السعودية،تواجه ضغوطا كبيرة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط من أجل فكرة تهجير أهل غزة، لكن لهدف حقيقي واستراتيجي هو تهجير للقضية الفلسطينية ولحركة المقاومة حماس إلى هذه البلدان أو لإحداها، سيخلق غزة جديدة داخل أحد هته البلدان بكل ما تحمله عملية الإبعاد من أبعاد أمنية واستراتيجية وجيوسياسة.
جلالة الملك عبد الله،كشف لنا من خلال هذا اللقاء الغير العادي مع شخص بدوره غير عادي وهذا أمر لا تتناطح فيه عنزتان أن السياسة ليست خطباً نارية ولا استعراضات بطولية “صدام…ية” أو “قذافي…ة”، بل هي لعبة توازنات حقيقية،وبالأحرى عندما يكون المخاطب شخصاً مثل دونالد ترامب،وراءه أقوى قوة عسكرية ولديه أكبر الأجهزة الاستخباراتية العالمية التي توفر له المعلومة الدقيقة في ثوان معدودات.
من الثابت خلال اللقاء أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأسلوبه المعتاد،وأفكاره كمن يلقي أوراقاً في مهب الريح وهو يعبر عن رغبته في نقل وترحيل أهلنا في غزة إلى دول الجوار وكأنهم مجرد أثات إضافي تركة خلفه بايدن في غرفة من غرف البيت الأبيض الضيقة، غير مدرك وغير مبال أن هذا الطرح لا يمكن تمريره ببساطة في المنطقة لأن هذا الترحيل ان تم فعلآ سيشجع لا محالة على الإرهاب عبر العالم بسبب بحث الرئيس الأمريكي عن أي إنجاز تاريخي يضيفه إلى قائمة إنجازاته الإعلامية التي تحتاج إلى عدسات صحافية لرؤيتها،فالرجل الغير العادي الذي واجه متاعب ومشاكل قضائية عديدة منذ تسعينيات القرن الماضي وبعد انتهاء ولايته الرئاسية الأولى، يريد هذه المرة ضمان ولاية أو ولايات متتالية من الآن و قد عاد إلى البيت الأبيض من بابه الواسع الذي خرج منه عبر النافذة.
لكن المفاجأة،،، أن جلالة الملك عبد الله الذي بدا خلال اللقاء محرجا بسبب الضغط الإعلامي الذي أحاطه به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تكتيك ينم عن دهاء سياسي ومخابراتي أكيد، لم يسارع إلى منح ترامب ولو صورة تذكارية وهو يبتسم بجانبه في صفقة قرن جديدة، بل رد بهدوء وحكمة في موقف ينم عن الحنكة الدبلوماسية الأردنية،ولم يمنح لترامب ولو بابتسامة، شرعية أو قبول فكرة ترحيل أهل غزة، لكنه أيضاً لم يقلب الطاولة ويغادر ساخطا كما أراد البعض، بل قال: …”سنجتمع في الرياض بدعوة من ولي العهد السعودي صاحب السمو محمد بن سلمان… وهناك مبادرة عربية طرحت في الرياض من قبل حول حل الدولتين…”…
هكذا إذن برهنت الدبلوماسية الأردنية أنها تتقن فن الالتفاف حول العواصف بدلاً من مواجهتها مباشرة،وكان طرح جلالة الملك عبد الله بديلاً ذكياً حول النقاش من التهجير إلى دعم الفلسطينيين وإغاثتهم ،حيث قال : …“الأردن سيستقبل 2000 طفل فلسطيني مريض من أهالي غزة للعلاج”…،،،
مبادرة إنسانية في ظاهرها، لكنها مناورة سياسية بارعة في باطنها، تنقل الحديث من فكرة ترحيل وتهجير أهل غزة إلى إغاثتهم والاعتناء بهم ومرضاهم ومصائبهم وتخفف من ويلات الحرب والعدوان عليهم وضغط وتكالب الأعداء ومن هم في حكم الأصدقاء عليهم بالإضافة إلى ضغط ترامب هذه المرة على المملكة الأردنية الهاشمية التي لم يكن يوماً من الأيام جزءاً من أزمة غزة أو فلسطين، لكنها دائماً كانت تجد نفسها مطالبة بحلها،في الوقت الذي جلس فيه منذ أيام صناعها الفعليون في طهران، لاهداء “نصر غزة ” لحاكم إيران الفعلي علي خامنئي، وكأن الدم الفلسطيني مجرد ورقة في بازار صراع المصالح الإقليمية.
حفظ الله أبناء عمومتنا في المملكة الأردنية الهاشمية وأحفادها الهاشميين الأوفياء لشجرة الأوفياء ملكا وحكومة وشعبا… والخزي والعار للإخوان المفلسين والنطف الصفوية التي تريد النيل من سليل العترة النبوية الشريفة…وعاشت الأردن وأدام الله عليها وعلى مغربنا نعمة الاستقرار والأمن والأمان.
عبد العزيز ملوك .