إعفاء مدير الافتحاص يطرح تساؤلات قانونية حول مدى احترام مبدأ الحياد وشرعية التوظيف

شهدت المؤسسة الإعلامية العمومية تطوراً لافتاً خلال الأسبوع الأول من يونيو 2025، عقب صدور قرار مفاجئ يقضي بإعفاء مدير الافتحاص، رغم أن عقده سبق أن تم تمديده في أكتوبر 2024 بعد انتهائه.
وقد تزامن قرار الإعفاء مع انعقاد المجلس الإداري للمؤسسة يوم الجمعة 6 يونيو، ما أثار موجة من التساؤلات والانتقادات من داخل المؤسسة وخارجها، خاصة بشأن مدى احترام الضوابط القانونية المتعلقة بتعيين مسؤولي الافتحاص ومتطلبات الاستقلالية المهنية، كما ينص على ذلك الفصل 154 من دستور 2011، الذي يُؤكد على مبادئ الشفافية والحياد في تدبير المرافق العمومية.
مسؤول الافتحاص بين مبدأ الاستقلالية و متطلبات الحكامة.
بحسب المعايير الدولية للإفتحاص الداخلي (IIA)، إلى جانب المذكرة رقم 20/2020 الصادرة عن المفتشية العامة للمالية، فإن وظيفة الافتحاص تُبنى على مبدأ الاستقلالية التامة و الحياد. و يُشدد المرجعان على أن المفتحص لا يجوز أن يكون خاضعًا لأي إشراف مباشر من الجهة التي يفتحصها، مع ضرورة توفر ضمانات واضحة تُمكنه من أداء مهامه دون تأثير.
– في هذا السياق، ينص المنشور رقم 3‑2011 الصادر عن وزير الاقتصاد و المالية على ضرورة:
– إحداث وحدات افتحاص داخلية مستقلة في المؤسسات العمومية، مع تفعيل آليات المراقبة متعددة المستويات.
– منع تعيين أي مسؤول افتحاص تكون له صلة تبعية للمشغّل أو الوزارة الوصية.
خرق هذه المبادئ لا يُعتبر فقط مخالفة مسطرية، بل يُعد كذلك إخلالاً بمبدأ الشفافية حسب نقايين و خرقًا لمقتضيات القانون التنظيمي لقانون المالية (رقم 130.13)، الذي ينص على ضرورة احترام الحكامة و ربط المسؤولية بالمحاسبة، خصوصًا في ما يتعلق بتدبير الموارد المالية و البشرية.
الإطار الدستوري و ضرورة احترام مبادئ الحكامة.
ـ يندرج هذا الخرق في إطار أشمل، تُؤطره مقتضيات دستور المملكة لسنة 2011، خاصة:
– الفصل 36: الذي يُجرّم تضارب المصالح و استغلال النفوذ.
– الفصل 154 إلى 159: التي تُقر قواعد الحكامة الجيدة، و الاستقلالية، و ربط المسؤولية بالمحاسبة.
انطلاقًا من هذا الإطار، فإن الإعفاء لا يُعفي المؤسسة من التزاماتها القانونية، بل يُلزمها بـ:
– فتح تحقيق شفاف و مستقل حول ملابسات التوظيف و التمديد.
– طلب ربط المسؤولية بالمحاسبة لكل من شارك في تمرير توظيف لا يحترم مبدأ الحياد.
– مراجعة القرارات التي اتخذها المدير المعفى، إذا ثبتت عدم شرعية وضعيته القانونية.
– مدى مشروعية التقارير و القرارات الصادرة.
تُطرح تساؤلات قانونية بشأن مدى مشروعية التقارير الصادرة عن المدير المعفى منذ 2018، و ذلك استنادًا إلى:
– المعيار 1100 من معايير IIA: الذي يُلزم المفتحص بالاستقلالية التامة في قراراته.
– مذكرة 20/2020: التي تحذر من تأثير التبعية الإدارية على مصداقية تقارير الافتحاص.
بالتالي، يُمكن من الناحية القانونية الطعن في هذه القرارات:
-من زاوية الشكل: إذا صدر القرار عن جهة غير مؤهلة قانونًا.
-من زاوية الأثر: إذا أثبت غياب الحياد تأثيرًا مباشرًا في مضمون التقرير.
تحرك نقابي ومطالب بالتدخل المؤسسي.
أعلنت المنظمة الديمقراطية النقابة الاكثر تمثيلية داخل المؤسسة عزمها مراسلة مؤسسات رقابية، من ضمنها:
– المجلس الأعلى للحسابات: في إطار مقتضيات الفصل 147 من الدستور، الذي يُخول له مراقبة المال العام.
– هيئة النزاهة و الوقاية من الرشوة و محاربتها: استنادًا إلى القانون رقم 46.19 المتعلق بها.
وقد أكدت النقابة الاكثر تمثيلية بالشركة أن المناصب الحساسة، مثل الافتحاص، يجب أن تُفتح للتباري وفق المادة 3 من مرسوم التعيين في المناصب العليا، ضمانًا للشفافية و تكافؤ الفرص.
تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة: من خيار إلى ضرورة
قضية مدير الافتحاص تفتح النقاش حول آليات الحكامة في المؤسسات العمومية، و لا يجب أن يُختزل الحل في الإعفاء، بل في :
– تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة (كما ينص عليه الفصل 1 من الدستور).
– ضمان استقلالية الافتحاص (وفقًا للقانون التنظيمي 130.13).
– إخضاع كل التقارير المشكوك في شرعيتها لمراجعة مؤسساتية.
إن تعيين مسؤول افتحاص داخلي للمؤسسة، بتبعية للجهة المشغّلة، يُعد خرقًا صريحًا لمبدأ الاستقلالية، المنصوص عليه في:
– دستور 2011 (الفصل 154 و 159)
– قانون المالية (130.13)
– مذكرة المفتشية العامة (20/2020)
– المعايير الدولية IIA
و يستوجب هذا الوضع تدخلاً عاجلاً من الهيئات الرقابية مثل:
– المجلس الأعلى للحسابات
– المفتشية العامة للمالية
– هيئة النزاهة
ليس فقط لمساءلة ما جرى، بل لحماية المال العام و ضمان ثقة المواطن في المؤسسات.