رهان جيوسياسي على الكيف وليس الريف … ماذا تريد الجزائر بعد نصف قرن من “لهريف”
الدكتور أنوار قورية – مختص في الاعلام والسياسات الدولية
على مدار أكثر من نصف قرن، تكرست سياسات النظام الجزائري حول رؤية أحادية الطرف تعتمد بالأساس على استنزاف موارد الشعب الجزائري لتغذية نزاع وهمي على حساب التنمية الداخلية، ولكي أضع القارئ في صلب المحتوى ودلالاته النسقية، يعبّر مصطلح “لهريف” عن نهج السطو الممنهج الذي يمارسه نظام الكابرانات على مقدرات وخيرات الشعب الجزائري الشقيق لصالح دعم كيان وهمي وعصابة ارهابية يسمى “الجمهورية الصحراوية”. هذه السياسة لم تكتفِ بإهدار أموال الشعب فحسب، بل أيضاً أسهمت في قبر ووأد فرص التنمية المستدامة، مما انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي الداخلي للجمهورية الجزائرية.
1 – نصف قرن من “لهريف”… أفق مظلم ونهاية حتمية
منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، وظّفت السلطات الجزائرية موارد بلادها الطاقية والدبلوماسية في دعم عصابة البوليساريو، الأمر الذي حال دون تطور العلاقات المغاربية وخلق دينامية تنموية تخدم المنطقة على الرغم من الخطابات المعلنة بمختلف المحافل ترويجا لدعم خرافة “تقرير المصير”، فالحقائق اظهرت دائما أن الدعم الجزائري للبوليساريو ينبع من اعتبارات جيواستراتيجية بحتة تهدف إلى إضعاف المغرب وعزل دوره الإقليمي، هذه الأسطوانة البليدة أثبتت فشلها على مدى العقود لحيثيات أهمها الفشل الذريع في تحقيق مكاسب دبلوماسية ذات قيمة مضافة للجارة الجزائر، بل إن قصر المرادية وجد نفسه أمام موجة من الانتكاسات المتتالية بدءاً من الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية وصولاً إلى الدعم المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي المغربية من قبل قوى دولية كبرى يصعب على الجزائر مقاومتها ومواجهتها لاسباب غير دقيقة…
2 – سيناريو “جمهورية الريف”… فصل جديد من العداء
مع تصاعد الانتصارات الدبلوماسية المغربية على الساحة الدولية، سعى النظام الجزائري لإيجاد أوراق جديدة لمعاداة المملكة المغربية، فجاء سيناريو “جمهورية الريف”. يعتمد هذا السيناريو على محاولات لتغذية النزعات الانفصالية داخل جهة الريف المغربية من خلال استقطاب ناشطين من الشتات الأوروبي، وتنظيم مؤتمرات ولقاءات داخل الجزائر تهدف إلى الترويج لخرافة جديدة تحت مسمى “استقلال” الريف… وقد سبق هذه الخطوات البليدة قيام الجزائر إحداث مكتب اتصال خاص بشؤون الريف في خطوة تشير إلى نواياها لزعزعة استقرار المملكة المغربية الشريفة، هذه الاستراتيجية الواهية تستند إلى استغلال ما قد تعتبره الجزائر توترات اجتماعية واقتصادية او احتقان تعيشه المنطقة، متناسية أن مشروع الحكم الذاتي الذي أطلقه المغرب يشكل نموذجا متقدما للتنمية الجهوية والإدماج السياسي على جميع المستويات والأصعدة.
3 – هل تراهن الجزائر على “الريف” أم على “الكيف”
السؤال الجوهري المطروح في ظل الاستفزازات العدائية التي تتصدر المشهد الجيوسياسي، هل حقا تراهن الجزائر على دعم مشروع انفصالي جديد أم أنها تخفي أجندة أعمق تستهدف تعزيز نفوذها في تجارة المخدرات؟
يظهر أن قصر المرادية بتنسيق مع كابراناته، يحاولون جر النقاش من قضية جمهورية “الريف” نحو جمهورية “الكيف”، خصوصا أن العناصر المستقطبة معروفة بنشاطها الذي قد يصل حد تسهيل تجارة المخدرات الصلبة العابرة للحدود، يبدو أن النظام الجزائري يوظف مسألة “الريف” كغطاء لتمويه الإخفاقات الاقتصادية الداخلية، خاصة مع تزايد الحركات الاحتجاجية المطالبة بالتوزيع العادل للثروة والاستفادة المشتركة من خيرات الثروات الطبيعية، والتي أصبحت – الاحتجاجات – تهدد استقرار النظام السياسي بمختلف مؤسساته النافذة.
4 – ارتدادات جيوسياسية… قراءة للمستقبل
إن المحاولات المتتالية للنظام الجزائري لتعزيز العداء مع المغرب عبر سيناريوهات متجددة لا تظهر أي أفق واقعي لتحقيق أهدافها، بدلاً من ذلك يتسبب هذا النهج البليد في تعميق عزلة النظام الجزائري إقليميا ودوليا خصوصا وأن المبادرات المغربية القائمة على الحوار والتنمية تضعف تدريجيا مصداقية الادعاءات الجزائرية خاصة مع الدعم المتزايد للموقف المغربي في المؤسسات والمحافل الدولية، على الصعيد الداخلي، يبدو أن الشعب الجزائري بدأ يدرك الثمن الباهظ الذي يدفعه بسبب هذه السياسة العدائية التي أضرت بمصالحه الأساسية، ما ينذر بتفاقم الضغوط الاجتماعية والسياسية على قصر المرادية.
أخيرا وليس آخرا، بين جمهورية “لهريف” التي استنزفت موارد الجزائريين لعقود و جمهورية “الكيف” التي تستخدمها الجارة الجزائر كوسيلة للابتزاز السياسي، تتجلى استراتيجية النظام العسكري كرهان خاسر لن يحقق سوى المزيد من العزلة والإخفاقات السياسية. في المقابل، تظل المملكة المغربية متمسكة برؤية تنموية مندمجة تقوم على تعزيز استقرارها وأمنها وسيادتها الترابية، مع المضي قدما في بناء شراكات إقليمية ودولية تخدم مصالح الشعب المغربي بعيدا عن خطابات التقسيم والصراع.